لماذا تنجح أفكار وتفشل اخرى؟
كُتب يوم الأحد, أغسطس 28, 2016 بواسطة مهيب
ما أو من السبب؟
معظم الناس لديهم أفكارٌ إبداعية. لكن مع الأسف لا نرى إلا القليل منها على قد تجسد وأصبح واقعا. انظروا إلى المشاريع الرائدة على الانترنت على سبيل المثال لا الحصر مثل جوجل، أبل، يوتيوب، فيسبوك، بيت، النيل والفرات، صناع الحياة، إلخ…كلها أفكار رائدة جعلت الحياة مختلفة. أفكار بسيطة صغيرة إبداعية غيرت وجه العالم.
ما الذي ميز أصحاب تلك الأفكار عن الملايين غيرهم من الذين امتلكوا أفكارا مثلهم وربما أفضل لكنها تبخرت؟
السؤال وإن كان يبدو صعبا وله أجوبة متعددة سواء أكانت أجوبة متعارضة أم متساوقة إلا أنني سأركز على إجابة واحدة منها وهي: أصحاب تلك المشاريع الناجحة هم ببساطة أناس قرروا الانتقال من خانة التفكير إلى خانة الفعل.
هذا هو ما ميزهم فقط عن غيرهم!
أصحاب الأفكار الإبداعية التي ماتت، هم سبب رئيسي في موتها (لاحظ أنهم ليسوا السبب الرئيسي). أصحاب نظرية المؤامرة سيقولون لك إن المجتمع هو السبب والمجتمع الغربي خير مثال على دعم الناجحين. هذا صحيح فالبيئة لها دور كاسح في نجاح أو فشل أي فكرة. لكن التعامل مع دور البيئة يشارك فيه صاحب الفكرة بشكل رئيسي. فأنت لو كانت لديك فرصة ووجدت مجتمعك يرفض الفكرة، ستقوم أولا باتهام المجتمع دون التفكير في مدى جدوى الفكرة لمجتمعك. لا يعني أنك أعجبت بفكرة ما أنها تصلح لمن حولك. وإنك كنت تحب سماع قصص النجاح الغربية فلن أشرد لك قصة نجاح جوجل أو يوتيوب أو غيرها لكني سأسرد قصة شخص ربما لم تسمع به في حياتك كلها.
لا يعرف الكثير من هو مارك غرانوفتر Mark Granovetter. إنه عالم الاجتماع الشهير. أعرفه بحكم دراستي وقراءتي المستمرة لكتاباته. أول بحث قدمه لمجلة علم اجتماع أمريكية رصينة فرفضته المجلة واعتبرته بحثا فاشلا. ماذا فعل مارك؟ هل جلس يتهم المجلة بالتحيز ضده؟ كلا، تجاوز أزمة الرفض ثم قدم البحث إلى مجلة أخرى، فتم قبوله ونشر في المجلة. وأصبح الآن منذ عام 1975 أكثر الأبحاث شهرة في مجال علوم الاجتماع. تقريبا لا يوجد عالم أو طالب يدرس علم الاجتماع لم يشر إلى بحث غرانوفتر الشهير! هذا رابط بحثه إن شئت https://sociology.stanford.edu/sites/default/files/publications/the_strength_of_weak_ties_and_exch_w-gans.pdf
باختصار، حتى في المجتمعات الغربية، هناك محبطات، ومنافسة شديدة تجعل من النجاح أمرا صعبا حقا. ولو أردت أمثلة من عالمنا العربي على التحدي والمثابرة من أجل إنجاح الأفكار، لدللتك على الكثير الكثير أذكر على عجالة الآن شركة ناشئة اسمها ريسيكلوبيكيا في مصر وهي شركة تجمع النفايات الصلبة وتقوم بتدويرها. ابحثوا عن الشركة واقرئوا قصص نجاحها وتعثرها لتندهشوا من صبر مؤسسيها الشباب الخريجين من الجامعات المصرية. على مهووسي جلد الذات أن يكفوا عن لوم المجتمع العربي ويأن لتفتوا لأنفسهم قليلا.
نعود لصلب الموضوع. إن السبب الرئيسي كما أسلفت هو موت الأفكار العظيمة على أيدي أصحابها في مهدها. دعونا نلقِ نظرة سريعة داخل تجويف دماغ أصحاب الأفكار.
الدماغ الاول
يجلس وحيدا في غرفته أو يحاول الخلود إلى النوم. تأتيه فكرة جميلة تعجبه، يقاوم الشعور بالنعاس كي ينهض ويكتبها لكنه يفشل. يفشل بشدة والدليل أننا نراه الآن يغط في سبات عميق وابتسامته لا تفارقه، لكن الفكرة تبخرت حين استيقظ صباحا مهرولا إلى الحمام!
ما رأيكم في دماغ آخر؟
شاب جاءته فكرة جميلة، كل يوم يحلم بها. مرت سنة وهو يحلم بها. مر عقد من الزمن. تقريبا يحتاج إلى عدة سنوات ويمر قرن من الزمان وهو ما زال يحلم بها. ستموت معه الفكرة وهو يحلم بها
دماغ ثالث؟
حسنا، يبدو أن رحلة الأدمغة هذه مشوقة واستهوت الكثير منا. في دماغ هذه الفتاة فكرة رائعة. لكن المشكلة أن الفتاة خجولة جدا، طرحت الفكرة على صديقة لها، فسخرت منها فألغت الفكرة كلها. والحمد لله أنها لم تصب بانتكاسة نفسية مزمنة.
دماغ أخير.. لقد شارف وقود القطار على النفاذ يا شباب.
شاب خريج تكنولوجيا معلومات لديه فكرة ابداعية. حاول تنفيذها مرة لكنه فشل. ثم نسي الأمر برمته. إنه الآن يجلس بإخلاص في أحد المقاهي، يدخن الأرجيلة ويطالع الصحف ويدردش مع أصدقائه أو مع صديقاته بالتحديد على الفيسبوك وكل برامج الدردشة التي عرفتها البشرية.
كنت بصدد التعريض على دماغ آخر يستحق المشاهدة، لكني لا أود إضاعة وقتكم الثمين في رحلة الأدمغة هذه. أجرى مايكل بريكارد بحثا مطولا عن سبب نجاح فكرة وفشل نفس الفكرة في ظرف آخر أو بلد آخر. وكان أحد نتائج بحثه أن الظروف مهمة جدا لنجاح الفكرة إضافة إلى الشخص صاحب الفكرة. إن لم يتشبث بها فكيف يمكن لها أن تنجح!
الشاهد في الأمر، أن الدماغ البشري يمكن تلخيص عمله مع الأفكار مثل مفتاح الكهرباء. افتح، أغلق ON, OFF. إذا تمكن الإنسان من الضغط المستمر على زر التشغيل ON فسوف تنجح الفكرة في معظم الأحيان. يمكن تلخيص أسباب الفشل بعد رحلة الأدمغة كالتالي:
- إذا لم يكتب الإنسان فكرته، فسوف تتبخر مع الذاكرة قصيرة الأمد للإنسان.
- إذا لم تحدث أحدا عن فكرتك أو تحاول نقلها من الورق إلى أرض الواقع، فسوف تتبخر
- إذا تراجعت بعد أن سخر منك أحد الأصدقاء، فلن تتقدم خطوة واحدة. وتذكر القاعدة الشهيرة. إذا أعجبتْ فكرتك كل الناس فهذا يعني أنك تأخرت كثيرا في طرحها (أي أن المقصود هنا أن الفكرة أصبحت معتادة من خلال ناس آخرين).
- إذا جربت عدة مرات وفشلت ولم تستشر أحد الخبراء أو تحاول البحث عن شريك لتنفيذ الفكرة، فسوف تموت الفكرة طبعا في غياهب الفردية الإنسانية.
الأفكار كالنبات. إذا لم تسقها ماء كل يوم من خلال مثابرتك وتحديك للمصاعب فلن تفلح.
تذكر أن الصعوبة في الغالب تكون في البداية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق